أيُّ نفَسٍ هذا الذي نتنفسه دون أن نشعر؟ وأيّ هبةٍ تلك التي تسري في دمائنا خفيّةً فلا نراها، ولا نكاد نُدركها؟
أيُّ نفَسٍ هذا الذي نتنفسه دون أن نشعر؟
وأيّ هبةٍ تلك التي تسري في دمائنا خفيّةً فلا نراها، ولا نكاد نُدركها؟
إنه الأُكسجين
نعم، ذلك الغاز الشفّاف، الذي لا لون له ولا طَعم، لكنّه يمنح الحياة لونها، ونكهتها، وإيقاعها
كلّ خلية في أجسامنا تهتف باسمه، وكلّ دقيقة تمرّ نحياها، تدين له بالشكر والامتنان، ولو سجدنا له شكرًا لما وفّيناه حقّه
لكن العجيب – والجميل – أن أجسامنا تهمس لنا دائمًا عن حالها، فحتى أظافرنا، تلك القطع الصغيرة منّا، تُفصح عن حال تنفّسنا، وتُخبرنا، إن نحن أنصتنا، عن مستوى الأُكسجين في دمائنا!! أترون كم في التفاصيل من معجزة؟
لنكتشف كيف تبوح الأظافر بسرٍّ عظيم، وتوقظ فينا قيمة النِعم المنسيّة
الأُكسجين: هواءٌ نحيا به وننساه
الأُكسجين ليس فقط ما نتنفّسه، بل هو العامل الأساسي في إنتاج الطاقة داخل خلايا أجسامنا يدخل إلى الرئتين، ومنها إلى مجرى الدم، ثم يوزَّع بدِقة ربانيه على جميع أعضاء الجسم… لكن، هل فكّرنا يومًا كيف نعرف إن كان يصل فعلاً بما يكفي إلى خلايانا؟
هنا تأتي الحيلة العلمية اللطيفة: الأظافر!
كيف تُقاس نسبة الأُكسجين عبر الأظافر؟
في الطب الحديث، تُستخدم أجهزة صغيرة تُسمى “مقياس التأكسج النبضي” (Pulse Oximeter)، وهي تُوضَع عادة على طرف الإصبع، وتحديدًا عند الأظفر
يعمل هذا الجهاز بطريقة بسيطة وعجيبة في آن واحد:
-يُرسل ضوءًا أحمر وآخر بالأشعة تحت الحمراء من خلال الأنسجة.
-يُقاس كمّ الضوء الممتصّ مقابل المنعكس.
-تختلف كمية الامتصاص بين الدم المشبع بالأكسجين وغير المشبع، وهكذا يُحسب المعدّل
أترون؟
ما بين ضوءٍ يمرّ تحت أظافرك، وجهاز صغير يُمسك بطرف إصبعك، تظهر نسبة الأُكسجين في جسدك! كأن الجسد يكتب لنا تقاريره اليوميّة على أطرافه، ونحن لا نقرأ
حين تعجز الأظافر عن البوح: الوجه الآخر من النعمة
ومع ذلك، ثمّة مواقف يعجز فيها هذا الجهاز الدقيق عن إتمام مهمته، فتخون القراءة ظاهرها، وتُخفى الحقيقة
في بعض الحالات، كوجود طلاء أظافر قاتم أو أظافر صناعية، يُعيق الضوء فلا يمرّ كما ينبغي
وفي حالات أخرى، كبرودة الأطراف أو اضطرابات الدورة الدموية، يتراجع تدفّق الدم، فلا يُلتقط الأوكسجين جيدًا
بل إن في بعض الأمراض النادرة، يتبدّل نوع الهيموغلوبين، فيظهر الجسم كأنه “يتنفس”، بينما هو يختنق!
وهنا تتجلّى المفارقة: ليس كلّ قراءة صحيحة تعني صحة، ولا كلّ غياب للمعلومة يعني أنها غير موجودة
وهكذا هي النعمة… لا يُدرك بعض الناس عظمتها إلا إن واجهوا نقيضها، أو حين تُصبح “معلومة مفقودة” في جهازٍ صغير على طرف الإصبع
الأظافر ليست للزينة فقط، وليست مجرد ما نُلوّنه ونقصّه، بل هي مرايا مصغّرة تعكس حال الجسد
فشحوبها، أو ازرقاقها، أو تغيّر لونها، قد يكون إنذارًا على نقصٍ في الأُكسجين، أو وجود مشاكل في القلب أو الرئتين
أترى؟ كم من نعمة نعيش معها كل يوم، لكنها تظلّ صامتة لأننا لا نحاورها، ولا نُصغي؟
فلتكن هذه التأملات تذكرة لنا:
أن نُصغي لأجسادنا، وأن نتعلّم قراءة رسائلها قبل أن تصرخ وأن نُقدّر النعم حين تَعمل في صمت، لا حين تتعطّل وتُحدث ضجّة
ولعلّ أظافرك، يومًا، تُخبرك ليس فقط عن نسبة الأُكسجين… بل عن حاجتك للامتنان
وبين العلم والروح: رسائل خفيّة
في خضمّ هذا العالم المتسارع، ننسى أن في أجسادنا آيات نركض خلف إنجازٍ هنا، أو قلقٍ هناك، ونغفل أن هناك نِعمًا صغيرة تَعمل في صمت، لكنها لا تقلّ قداسة عن أعظم ما نملكه
أن تعرف أن إصبعك الصغير قادر على أن يُخبرك عن تنفّسك، هذا بحدّ ذاته شعور يُربّينا على التأمّل والتقدير، ويعلّمنا أن أجسادنا لا تخوننا، بل تُحبّنا وتُرسل لنا إشارات بلُغةٍ ربّانية لا تحتاج سوى الإنصات
كُن ممتنًا لنَفَسك، راقب أظافرك، وابتسم إن رأيتها ورديّة صحيّة فربّما كان هذا اللون الصغير، صدىً صامتًا لنِعمةٍ عظيمة… اسمها: الحياة
وفي كلّ مرّة تضع فيها جهاز التأكسج على إصبعك، لا تفكر فقط في الرقم، بل فكّر:كم من أشياء بسيطة حولي، تُخبرني عن أشياء عظيمة في داخلي؟
وكم من نِعمٍ أعرفها فقط حين أفتقدها، بينما كان بإمكاني أن أشكر الله عليها و أُقدرها منذ الآن؟
شَـمس
شكرًا للقراءة
محظوظ من يجالسك !💜
موضوع رهيب بارك الله فيك